ظلال التطرف


الفراغ الفكري الذي أصاب عقول الكثيرين من الشباب؛ جعل عقولهم خاوية سهلة الانقياد لأي فكر متطرف أو منحرف.. فالعقول الخاوية كثيرا ما تنجذب إلى الأفكار الشاذة، على الأقل من قبيل التجربة في البداية، إلى أن تصل للتعصب لها في النهاية، وفي مجتمعاتنا الإسلامية، يكون التطرف الديني هو الأشد جذبا والأكثر عددا.

وللأسف لم يجد هذا التطرف الفكري، فكرا دينيا معتدلا راغبا في محاورته، وتعديل منهجه المعوج، كما أن تعامل الحكومات الإسلامية مع التطرف الديني، يكاد يكون متشابها، بدءا بتجاهله، مرورا بالتقليل من مخاطره، وانتهاء إلى اتخاذ العنف منهجا في التعامل معه.

إن ما اعتدنا على تسميته بـ "الأفكار الدخيلة" على الدين، إنما هي أفكار متشابهة يمكن معرفتها، ومعرفة مراحل تطورها، وذلك من خلال استقراء التاريخ الإسلامي ودراسة أفكار ومناهج الفرق المتطرفة كالخوارج وغيرهم، حتى نستطيع التعامل مع تلك الأفكار، لأن الأفكار الشاذة -إن تركت دون تصحيح- تصبح على استعداد للخروج والانتقال كالجرثومة إلى عقول الاخرين، وذلك عن طريق وسائط النقل الكثيرة والمتعددة من قنوات فضائية ومواقع على الإنترنت، وكتيبات وشرائط، والأخطر من ذلك كله، الزوايا والمساجد غير الخاضعة للإشراف الحكومي، فكل مسجد خارج الإشراف الحكومي؛ إنما هو نواة لمجتمع صغير على استعداد للنزاع مع المجتمع الأكبر، وكل مسجد خارج عن المظلة الحكومية لا بد له من غطاء يستظل به، أي منهج يتبعه وفكر يعمل على نشره، سواء كان الآن او لاحقا، وكما ينبغي وضع المساجد تحت إشراف وزارات الأوقاف؛ فإنه يجب أن يكون لتلك الوزرات قنوات تلفزيونية في مقابل تلك المنتشرة على الفضائيات، والتي تفسر الدين وفقا لأهواء الممولين لهذه القنوات، وتظهر المجتمع في صورة جاهلية بعيدة كل البعد عن الدين.
أيضا يجب تحديد الجهات الدينية المختصة بتناول الأمور الشرعية وإصدار الفتاوى للقضاء على فوضى الفتاوى الدينية الصادرة من كل صوب وفي كل وقت.

لقد انتشر التطرف الفكري والهوس الديني، الذي أصبح تهمة جاهزة يلصقها دائما أعداء الإسلام به، بسبب قيام أدعياء العلم باصدار الفتاوى، وتجييش المتبعين، وتضييق منابع الفكر وتجفيف مصادره حتى ينتهي إلى مصدر واحد، هو الفتاوى والأفكار التي يفرغها من ينصب نفسه قائما على الدين في عقول متبعيه، وهذه هي اللبنة الأولى في نشوء مجتمع صغير منعزل عن المجتمع الأكبر الذي يعيشون فيه، وقد تتطور تلك الانعزالية إلى منازعة في الاختصاصات، فيبدأون في تطبيق قوانينهم الخاصة على المجتمع، وصولا إلى النزاع على الحكم، بدون أهلية سياسية، وبطرق غير قانونية.

من الخطأ التقليل من أهمية الأفكار التي يحملها الآخرون، أو التقليل من خطورة آثارها على المجتمع، أو التصرف معها بلامبالاة، فما نظنه بذورا فكرية ضعيفة اليوم؛ ستصبح غدا أشجارا خبيثة ممتدة الأغصان، تسجننا تحت ظلالها، ولا تسمح بظهور أي فكر خارج تلك الظلال.

Comments

Popular posts from this blog

Douglas Adams

Are Egyptian in Gulf area happy about what happened in Egypt?