Posts

Showing posts from September 7, 2008

سيف السلطان وذهبه

لم يكن يوما لعلاقةٍ من عميق أثر في المجتمعات، كالعلاقة بين الحاكم والمثقف، فهي علاقة خطرة بمقدار اقتراب الطرفين من بعضهما، فقد تكون رؤية المثقف وفكره من الأدوات التي يستمد منهما الحاكم شرعية حكمه، ويرسخ بهما دعائم ملكه، وهو ما فطن إليه الحكام منذ القدم، فالمثقفون وذوو الفكر، ولاسيما الصفوة منهم، قوى محركة.. ملوك الدولة الأموية استخدموا مثقفي ذلك العصر في الترويج لأحقيتهم في الخلافة، فإذا بشاعر كالأخطل، وهو مسيحي، يصبح من كبار شعراء البلاط الأموي، لشعره في استحقاق بني أمية الخلافة، وإضْفائه حقاً إلهياً على حكمهم، فقد كان الأخطل وغيره ينظرون إلى ذهب الأمويين، وكان الأمويون ينظرون إلى موهبتهم الشعرية ويرْنُون إلى أثرها. إنها نقطة فاصلة في حياة المثقف حين اقترابه من السلطة، فأثرها لا ينحصر في المثقف وحده، بل يتجاوزه إلى مجتمعه.. فكم من كاتب غير منهجه، ومفكر ارتد على فكره، وفقيه مجدد تراجع عن فتاواه، ومصلح كان الناس ملء عينيه، فأمسى ينظر إليهم وهو لا يبصرهم، وكأن قدر الإبداع أن يَهْرم إذا خالط السلطة، فيفقد بريقه وحيويته، ويتحول إلى لوحات زيتية صمّاء يتوسطها حكام بملابسهم العسكرية، أو كَلِم

أدعياء الثقافة وأحادية الفكر

يؤثر فكر المثقف وشخصيته على المحيطين به وعلى مجتمعه، ويؤثر الإعلام بشكل أعمق في تكوين المفاهيم وترسيخ الانطباعات لدى المجتمع عن المثقف.. إعلامنا العربي دأب منذ عقود على تشويه صورة المثقف وإظهاره في شخصية الساذج أو الحالم الذي لا يدرك ما يدور حوله، أو المغلوب على أمره غالباً.. وهو في جميع المواقف متسم بالضعف والعوز وقلة الحيلة، والتردد وعدم المقدرة على حسم الأمور أو اتخاذ المواقف، بينما بالمقابل تمّ تصوير الشخص الذي لا تعنيه الثقافة في شيء، بل ويسخر منها ومن أهلها، بصورة المدرك لغايته، المحقق لهدفه، المهاب الجانب، المسموع الكلمة وصاحب المال والنفوذ. وشاهدنا ذلك في العديد من الأفلام، بل وفي كثير من الأدبيات خاصة في فترة الثمانينيات، وساهم المثقف نفسه في ترسيخ الصورة المنمّطة المنطبعة في أذهان الآخرين عنه، من خلال النظر إليهم من شرفة برج عاجي، عزل نفسه فيه، واستعذب الشعور بالوحدة فهي عنده خير من جليس السوء، فلم يخالط الناس مما زاد من اتساع الهوة بينهما، وفُتح الباب واسعا لظهور فئات من المجتمع تتسم بالجهل، فغني جاهل خير من مثقف فقير أو حتى مستور الحال، فلم نعد نرى الثقافة إلا من خلال مثقف