سيف السلطان وذهبه
لم يكن يوما لعلاقةٍ من عميق أثر في المجتمعات، كالعلاقة بين الحاكم والمثقف، فهي علاقة خطرة بمقدار اقتراب الطرفين من بعضهما، فقد تكون رؤية المثقف وفكره من الأدوات التي يستمد منهما الحاكم شرعية حكمه، ويرسخ بهما دعائم ملكه، وهو ما فطن إليه الحكام منذ القدم، فالمثقفون وذوو الفكر، ولاسيما الصفوة منهم، قوى محركة.. ملوك الدولة الأموية استخدموا مثقفي ذلك العصر في الترويج لأحقيتهم في الخلافة، فإذا بشاعر كالأخطل، وهو مسيحي، يصبح من كبار شعراء البلاط الأموي، لشعره في استحقاق بني أمية الخلافة، وإضْفائه حقاً إلهياً على حكمهم، فقد كان الأخطل وغيره ينظرون إلى ذهب الأمويين، وكان الأمويون ينظرون إلى موهبتهم الشعرية ويرْنُون إلى أثرها. إنها نقطة فاصلة في حياة المثقف حين اقترابه من السلطة، فأثرها لا ينحصر في المثقف وحده، بل يتجاوزه إلى مجتمعه.. فكم من كاتب غير منهجه، ومفكر ارتد على فكره، وفقيه مجدد تراجع عن فتاواه، ومصلح كان الناس ملء عينيه، فأمسى ينظر إليهم وهو لا يبصرهم، وكأن قدر الإبداع أن يَهْرم إذا خالط السلطة، فيفقد بريقه وحيويته، ويتحول إلى لوحات زيتية صمّاء يتوسطها حكام بملابسهم العسكرية، أو كَلِم...